لا أعتقد أن رمضان تحت حصار كورونا سيختلف عن غيره في طقوس الاحتفال والحفاوة والإبتهاج.. أو هكذا أتمنى أن يكون.. سيعلق المصريون الزينات في الشوارع، وتتلألأ الشرفات بفروع المصابيح الصغيرة المضيئة.. تملأ الفوانيس البيوت، يحملها الصغار والكبار أيضا ليغنى الجميع "حاللو ياحاللو.. رمضان كريم ياحاللو"، وتضيف الأمهات ضاحكة "حاللو ياحاللو، رغم كورونا حنحاللو".
لن نفتقد نداء المسحراتى الذى ينتظره الأطفال بفرحة مناديا على أسمائهم، سيتبرع أحد الجيران بخفة ظله المعهودة بتقمص دوره ويخرج من شرفته قارعا بطبلة طفله الصغير أو ربما بيد هون يستعيرها من مطبخ زوجته لينادي على الجميع منبها للسحور، ليضج الشارع بالضحك.
لن يهزمنا كورونا ولن يسرق لحظات بهجتنا، لن يحرمنا من الشعور بلمة رمضان على مائدة الإفطار، صحيح أننا سنفتقد كثيرا أقرب الناس والذين لايطيب إفطارنا إلا بهم، لكن يمكننا أن نخفف ذلك الشعور بالافتقاد والوحشة بأن نفتح نوافذنا ونتفق مع جيراننا أن نخرج لنتناول الطعام فيها، كل في شرفته ستتحول بيوتنا لمائدة رحمن كبيرة ولو على بعد.
وبمناسبة موائد الرحمن، سواء أكانت وراءها نوايا طيبة أو التباهي والإستعراض والتجمل فهذه فرصة لتنقية النوايا من شبهة المن والرياء، وأصحاب القلوب الرحيمة لن ينقطعوا عن هذه العادة، وربما بذلوا جهدا أكبر في الوصول لأكبر عدد من هؤلاء البسطاء المحتاجين لتقديم ما اعتادوا عليه وتوصيله إلى منازلهم فلا يكبدوهم عناء الإفطار على موائد الشوارع .
الطريق إلى الله لا يحتاج صخبا ولا ضجيجا ولا تباهي ولا مظاهر دعائية.. الطريق إليه يحتاج لصدق النية وسلامة القلب وخشوع النفس وتطهر وسمو الروح.
ينظر الله لقلوبنا، يسمع همسات دعائنا، يرى أكفنا المرفوعة بالرجاء.. يطلع على همومنا وأحزاننا.. خبير بما يجول في أنفسنا وضمائرنا.. نسأله ونوقن أنه قريب يجيب دعوة المضطر إذا دعاه.
ندرك ذلك فيهون علينا الحزن على إغلاق المساجد، ونتوقف قليلا على تلك الأبواب المغلقة لنتساءل: هل كنا حقيقة خاشعين عندما كانت مشرعة أمامنا! هل كنا نؤدى العبادات بإخلاص وقلوب سليمة! هل كانت صلواتنا تهذب نفوسنا؟ هلى كانت تنهانا عن الإساءة لغيرنا؟ هل كانت تمهد لنا الطريق لإصلاح ضمائرنا وسلوكنا؟ هل كانت تمنعنا عن الفساد والغش والنميمة والغيبة والكذب والجبن والأنانية والجشع والقسوة والظلم أم تغض الطرف عن حال المستضعفين وتصم الآذان عن صرخة المظلومين وتكتم صوت نجدة المقهورين.
للطريق إلى الله أبواب كثيرة، فإذا أغلقت مساجده بفعل الفيروس أو لغضب منه علينا يمكننا أن نهرع لأبواب لا تعد ولا تحصى وكلها تصلنا به شرط إخلاص النية.
ربما يكون رمضان في ظل الحظر فرصة للتقرب أكثر إلى الله، بقلوب سليمة مبتهلة، متضرعة بزوال الإبتلاء والغمة، وأن يحفظ أولادنا وأحفادنا وأهلنا وأحباءنا وكل البشر من الوباء، وأن يطهر قلوبنا ونفوسنا.. ندعوه في صلاتنا وقيامنا وتهجدنا ونحن موقنون بالإجابة، سواء كانت في المساجد أو في بيوتنا تحت حصار الفيروس.
--------------------------
بقلم: هالة فؤاد